عالية حسن كرار أخت الشهيد عبد المنعم حسن على كرار
يوم الإعدامات نحن سمعنا الخبر مثلنا مثل أى شخص فى الإذاعة .. ولقد كان هؤلاء الشهداء من خيرة القوات المسلحة وكانوا وطنيين بحق ولقد كان هدف حركتهم إستعادة الديمقراطية ولم تحركهم مطامع السلطة بل حبهم للوطن اذ نص برنامجهم على قيام فترة إنتقالية لمدة خمس سنوات وبعدها تقام إنتخابات ديمقراطية حرة. وقع الإعدامات كان كالصاعقة على رؤوسنا ..فأخى الشهيد كان له وضع خاص بالأسرة اذ كان الأبن الوحيد بعد عشرة بنات لذا فلقد إكتسب محبة وإهتمام الجميع ولكنه لم ينشأ كطفل مدلل بل على العكس لقد استطاع ان يبادل من حوله المحبة والإهتمام وعندما كبر كانت أخواته العشرة يعتمدن عليه ويشاورنه رغم انه أصغر منهن.. ورغم ان من بعده أتى ولدان الا إن تميز شخصيته كان كبيراً .. لذا كان الحزن عليه من قبل كل الأسرة عالياً وتوفيت والدتى وهى بحسرتها عليه اذ كانت تتمنى أن ترى قبره فقط… فى يوم استشهاده وضعت زوجته طفلة ولقد حاول ان يرسل من معتقله من يطمئنه عليها وقال له أن يقول لها إن هذا طريق هو مؤمن به وسيمشى به حتى نهايته… وكان إعدامه بداية حزن كبير لكل الأسرة فرغم ان السنوات قد طالت الا ان فقده ظل حاراً ولاتمر مناسبة الا ونكون متألمين لفقده..لقد سكن منزلنا حزن يدفنه بعضنا داخله ولكنه يتفجر فى لحظات مختلفة….بكاء حار….لم نستطيع ان نتجاوز حزننا أبداً.. ولا أظننا سنستطيع طالما هذا النظام موجود فنحن نشاهدهم فى التلفزيون كل صباح يذكروننا بجريمتهم وغدرهم بأخواننا وابناءنا..
لم نسكت كأسر شهداء ولم نتخاذل وبعد ثلاثة أيام خرجنا فى مسيرة ضخمة أرعبتهم وإعتقلوا المشاركات والمشاركين فيها ومن يومها وهم يخافون منا لأنهم يعلمون جيداً اننا لسنا وحدنا بل خلفنا كل الأحرار السودانيين الذين يرفضون الظلم ولا يقبلون بأن لاتعرف أم أو زوجة أو أخت قبر فقيدها.
حاولوا تشتيتنا وكسر إرادتنا بصور مختلفة فإستخدموا الترهيب ولم يجدى واستخدموا الترغيب فلم يجدى أيضا اذ أذكر إن عمر البشير أرسل لوالدتى يستأذن فى القدوم إلينا ليتقدم بالعزاء فى الشهيد فإكتفت والدتى “نفيسة كامل” بقول: قل له لن أضمن سلامتك ان حضرت” .. أفقروا أسر الشهداء كما أفقروا كل الشعب السودانى وحاول إغراءهم بالمال فمثلا كانوا يقدمون لهم عروض مالية بحجة انها حقوق أو انها مساعدات لأسر الشهداء الا ان حزن هذه الأسر وغبنها كان أكبر درع تجاه محاولاتهم..
أذكر ان فى وفاة إبن أخت لنا حضر عمر البشير وكان معه عبد الرحيم محمد حسين للعزاء فوقفنا فى وجهه وهتفنا ضده أمام حرسه وطردناه من منزلنا هو ومن معه…
مايؤلمنا كأسر هو ظلمنا بعدم معرفة مدفنهم .وشعورنا بظلمهم فقد سمعنا الكثير من الحديث حول انهم اساءوا معاملتهم لحدود غير إنسانية فقد ذكر لنا شهود عيان ان إبراهيم شمس الدين كان يقف بإنتظار أياً منهم عند نزوله من الحافلة التى أحضروهم بها وهم مكبلين وكان شمس الدين يصفع الواحد منهم ويركله الى ان يسقط بالأرض ليبصق عليه وهو تحت أرجله ..ولقد كان حاضراً لتنفيذ الإعدام بهم أبراهيم شمس الدين والزبير والخنجر وضحوى وكمال على مختار الذى سمعه الشهود يهلل فرحاً ويقول: شوفوا عيونهم جحظت كيف.؟ وسبحان الله لقد إنتقم الله من هؤلاء فى الدنيا قبل الآخرة فحتى من نفذ الإعدام بهم”ودالحاج” حصل له حادث حركة شنيع ورقد فى الفراش طويلا وأصيب بالسرطان وتوفى.
بكل فخر أقول اننا كأسر شهداء ظللنا نقاتل ونناضل وكنا بالشارع عندما لم يكن به غيرنا وكانت الإنقاذ فى أوج عنفوانها وتعرضنا للتعذيب والاعتقال والضرب والإهانات الا اننا لم ولن ننهزم مالم يسقط النظام الذى قتل شهدائنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق