كان اليوم يمر بهدوء ممل في قيادة معهد المشاة بكرري لغياب السيد اللواء، الذي كان في اجتماع طويل بغرض التشاور، في ما يختص بالمحاولة (الانقلابية) التي قادها ضباط كبار في القوات المسلحة، والشعب السوداني في ترغب، وحاله اقرب ماتكون الي الذهول، حيث لم يمر العام علي الانقلاب الاول وهو لايدري كنه القالب والمقلوب عليه وإلى أي جهه يتبع الطرفان، حيث مازال المواطنون يقيمون انقلاب البشير وهم مابين تنازع نفسي واختلاف فكري ومالذي قدمته الديمقراطية والمرجؤ من الحركة الانقلابية التي قادها البشير ... وكانت الامور اكثر مللاً لنقطة تفتيش المرخيات، حيث لا صوت يعلو فوق صوت السكون ، وهم في اهبه الاستعداد، لمقاومة اي تحرك والتبيلغ عن أي اخطار آتية من الناحية الغربية لمدينة امدرمان، او بالاصح مراقبة القوات المسلحة الموجودة داخل المعسكر الميداني للكلية الحربية بالمرخيات، تخوفاً من أي حركة تصحيحة أو مقاومة للانقلاب القائم، وخصوصاً بعد فشل حركة 28 رمضان ... ولم يتخيل الحارس الذي يتبع لمعهد المشاه، وهو في قمه احلامه (الكابوسية) ان يري مارآه.
كان جميع ضباط حركة رمضان موجودين داخل مقر الشرطة العسكرية بشارع الوادي، مجموعين داخل خيمة عليها حراسة مشددة، عندها أتي عضو مجلس قيادة الثورة (رئيس المجلس الاربعيني للجبهة الاسلامية المسؤول عن انقلاب 30 يونيو المشؤوم، وطلب اخراج الشهداء من الخيمة وجمعهم امامة (يعني يوقفوهم طابور) وخرج الضباط الشرفاء وفي مقدمتهم الشهيد عثمان بلول ،عصمت ميرغني طة والفريق طيار خالد الزين، وقال لهم ابراهيم شمس الدين وهو يشير الي علامة قادة الثورة الموضوعة في صدره:هل تريدون ان تضعو مثل هذة الشارة ... هذا حلمكم.فرد عليه عصمت نحن نريد ان ننزعها منكم ونسلمها للشعب واذا وضعناها فاننا نضعها بشرف انتزاعها منكم وانما نحن نريدها خدمة ووعدا قطعناهو للشعب ان نحمي ديمقراطيته ... فرد علية شمس الدين :بل انتم صعاليق ومرتزقة ... فطلبو منه(يرحمهم الله) ان يتأدب في حضورهم باعتبار انهم مازالو في الجيش ورتبهم اعلي من رتبته وقالو له اذهب فما انت الا جاهل وطفل فاذهب فاحضر لنا اسيادك فانت لست بمكان اتخاذ قرار (لابتودي ولا بتجيب) فقال لهم سوف اوريكم منو البيضع القرار هنا وانا حا أعدمكم كلكم...
خرج ابراهيم شمس الدين وهو غاضباً اشد الغضب علي الاحتقار الذي بدر من الشهداء، ردا علي صفاقته، متوجها بشارع الوادي ليلحق الاجتماع التشاوري الذي كان منعقداً بقيادة البشير في القصر الجمهوري والخاص بوضع الضباط (الانقلابيين) ومالتصرف الذي سوف يتخذ ضدهم. او احتمالا -خروج شمس الدين غاضبا لشي في نفسة (تحليل من عندي)المهم وهو في شارع الوادي وبالقرب من كبري شمبات، كانت هناك وحدة من سلاح المهندسين بجميع الياتها تعمل في انشاء اوصيانة كبري شمبات، فعرف عن نفسة بانه عضو مجلس قيادة الثورة، وامر مشغلي القريدر واللودر بأن يتبعه ، ورجع مرة اخري الي مقر الشرطة العسكرية وقام باستدعاء بعض الضباط 3 ضباط ، (نحجب الاسماء الان) وادخل كل ضابط منهم في خيمة وامرهم باجراء محاكمة فورية ... كان يتم استدعاء كل ضابط علي انفراد ويدخل لاحدي الخيم التي سوف تجري فيها المحاكمة، ويت سؤال الضابط سؤال واحد (هل اشتركت في هذا الانقلاب) وكان رد جميع الضباط واحد وهو (نعم اشتركت) فكان الحكم ينطق فوريا (اعدام) ... وبعد انتهاء المحاكمات التي لم تتعدي مدتها النصف ساعة تم احضار عربات ملاكية، ورحل الشهداء الي مكان (سوف ناتي اليه لاحقا) وكان في مقدمة الركب شمس الدين وتليه العربات الملاكي وتليه القريدر واللودر متجهون غرباَ ...ونقف هنا ونعود الي الحارس الذي كان يراقب غرب امدرمان قرب المرخيات.
قلنا ان نقطه تفتيش المرخيات كانت في ملل شديد وكان الحارس المسؤول يراقب الاوضاع في تلك المنطقة الخلوية بهدؤ وحزر، وفجاة رأي عدد من العربات تسير صبورة منتظمة ومتجهة الي شمال امدرمان غير بعيدة عن ارتكازه، فابلغ علي الفور قيادته في كرري بأن هناك عربات مشبوهة تتجة شمال غرب امدرمان وقد طلب من قيادته توجيهه كيف يتصرف، فطلبت منه القيادة ان يستطلع ويعرف ماالذي يجري، عند ذلك طارد الحارس قافلة العربات وقام بايقافها، فخرج اليه ابراهيم شمس الدين وعرفه بنفسه (عضو قيادة ثورة الانغاذ) فابلغ الحارس مقر قيادته بأنه قد وجد في هذة العربات الرائد شمس الدين وامره بالانصراف، فطلبت قيادة قوات المشاة كرري من الحارس ان يستمر في المراقبة عن بعد ... جأت اشارة اخري من ارتكاز المرخيات الي قيادة المشاة كرري، تقول بأن هناك اصوات رصاص تنطلق من ناحية شمال غرب المرخيات فجاء الرد بان يتم التاكد من ذلك وافادة القيادة بما يحدث هناك، وعندما وصل الجندي الي الموقع شاهد مجموعة من الرجال الملتحين يلبسون الجلابيب، وكانوا يضربون النار في مجموعة من الافراد مصطفين امام خندق تم حفره بواسطة اللودر وشاهد جثث لم تسقط بعد في الخندق وكانو يطلقون عليها النار، فابلغ قيادته بان هناك عملية اعدام جارية هي مصدر الصوت، فجاء الامر بان هذا عمل خاص بمجلس قيادة الثورة وامر بالرجوع...
خرج ابراهيم شمس الدين من منطقة الاعدام متوجها الي القصر الجمهوري حيث كان الاجتماعي التشاوري مع قيادات الجيش -بشأن المحاولة الانقلابية منعقداً ،وعند وصوله كان الاجتماع قد انفض ولم يبقي سوي بعض الضباط وهم خارجون من القصر الجمهوري، وعند دخوله وجد عمر البشير يتحدث مع احد الضباط ،فقال له (خلاص انتهينا من الموضوع) فسألة عمر البشير (اي موضوع)فقال اعدمنا الخونة فقال (ومن الذي امرك باعدامهم) فرد علية بكل غرور (لا احتاج الي امر منك ،فانا رئيس المجلس الاربعيني الذي اتي بك الي السلطة) فصمت البشير الذي اصبح بشيراً بالعذاب.
هنالك حدث جدير بالتسجيل والتوثيق، وهو الحالة التي كان عليها المقدم بشير الطيب حينما أُعدم، فكل القوانين العسكرية على نطاق العالم لا تجيز تنفيذ حكم الإعدام في أي مصاب يحتاج إلى علاج، خاصة إذا كانت الإصابة من جرح ناتج عن معركة أو اشتباك مسلح.. برغم ذلك أُعدِمَ المقدم بشير وهو مصاب بطلق ناري إصابة بالغة، ونورد أدناه ما
أكدت هذه الحادثة المأساوية والبعيدة كل البعد عن الأخلاق العسكرية ـ ناهيك عن العرف الإنساني ـ رئيس النظام الفريق عمر البشير حينما أجاب على سؤال في الحوار المشار إليه سابقاً، قال: «الانقلابيون استعملوا أسلوب الخداع، والمشاركون من سلاح المدرعات خمس ضباط فقط، ولم يستطيعوا مسك كل المدرعات. الانقلابيون لم يُنَوِّروا الجنود بصورة واضحة، وحتى المدرعة التي استخدمها المقدم بشير الطيب ووصل بها إلى القيادة العامة، قال الانقلابيون للجنود الذين قادوها أن لديهم أوامر من القيادة لاستعمالها في الخدمات، والدخول بها إلى القيادة العامة.. وهنالك التقوا بالرائد إبراهيم شمس الدين عضو مجلس قيادة الثورة، وفي هذه اللحظة نزل المقدم بشير الطيب من المدرعة واشتبك بالأيدي مع الرائد إبراهيم شمس الدين، إلى أن أطلق الجنود الذين جاءوا مع الرائد شمس الدين النار على المقدم بشير الطيب، هنا علم الضباط أنها حركة ضد ثورة الإنقاذ، واقتحم الجنود والضباط مواقع الانقلابيين واعتقلوهم.»