اعدام ضباط حركة ابريل وتجار النقد الاجنبى
نقلا عن كتاب : الاخوان والعسكر
استدل اصحاب الراى القائل بان القوات المسلحة تضم فى صفوفها اكثر من اربعين فى المائة من ابناء الجنوب وابناء الغرب ، وان هذه الهزات الحادة التى تضرب فى التكوين الاساسى للجيش الان سوف تكون لها عواقب سوداء على الوطن . وبالضرورة ان يكون داخل القوات المسلحة من يستشعر كل هذه المخاطر المتغلغلة وسط الاحداث الجارية منذ الانقلاب وتاثيرها على اداءة التامين الوطنى . فخلال الثلاث سنوات جرت اربع محاولات لانقلابات قادها ضباط من داخل القوات المسلحة ، وكانت اشهر حركة انقلاب تلك التى جرت فى الثالث وعشرون من ابريل عام 1990. والتى استطاعت ان تسيطر على معظم المواقع الاستراتيجية فى العاصمة ولكن لاخطاء فى التقدير ولسؤ الاتصالات وربما بسبب حسن النية والتسامح المفرط الذى تعامل به قادة المحاولة الانقلابية فشلت المحاولة وكانت نتائجها ماساوية .
فقد تم اعدام ثمانية وعشرين ضابطا واكثر من اربعة وخمسين جنديا ، وصف ضابط فى اقل من 48 ساعة ودون محاكمات وبعد استجوابات سريعة لم ينتظر منها المستجوبون ادلة ولم يتوقعوا منها معلومات ، كما لم ينتظر منها المتهمون رافة ولم يتوقعوا عدالة .
وفى الساعة الرابعة صباحا ، بعد ليلة القدر ، فى اليوم الثامن والعشرين من شهر رمضان وقبل عيد الفطر بيوم واحد ، نقلت عربات مدرعة ثمانية وعشرين ضابطا الى منطقة المرخيات 40 كيلو مترا شمال الخرطوم ، تحرسهم قوة من اربعين جنديا ،حيث تم انزالهم امام مقبرتين واسعتين تم تجهيزها فور اعتقالهم .. ثم صفهم واطلقت نيران كثيقة تخللتها صوات صمود وشجاعة من الشهداء (( الله اكبر ... الله اكبر )) . وقال احد الجنود الذين شاركوا فى الحراسة .. عندما كان التراب ينهال عليهم فى مقابرهم الجماعية بالبلدوزر سمعنا اذان من بعيد يؤذن لصلاة الصبح وتردد فى اسماعنا : الله اكبر ، الله اكبر .
ومنذ تلك الساعة اطلق الناس على ضباط حركة ابريل وصف ( شهداء ابريل ) . كان من بين هولاء الضباط عبدالمنعم كرار، رزق بابن فى صباح نفس يوم الاعدام فلم ير طفله الوليد .. وربما لم يخطر بهذا الحدث السعيد ، ولكن من المؤكد ام قلبه نبض بمشاعر الميلاد .
وكان من بينهم مصطفى عوض خوجلى ، رزق قبل شهر واحد بطفل هو البكر ولم يهنا بان يراه صبيا يحمل حلم الاب . وكان من بينهم الرائد اكرم الفاتح يوسف ، حيث كان يتوقع طفله الاول بعد ستة شهور وهى فترة تتارجح فيها مشاعر دافئة بين الاختيار فارس ام عروسه .
ونقل جندى شجاع كان بالقرب من الرائد اكرم الفاتح يوسف لحظة ترحيلهم الى المرخيات للاعدام، الى اسرة الشهيد اكرم رسالة هى الوصية الوحيدة التى همس بها فى اذن الجندى ، كانت الرسالة مقتضبة ومعبرة هى: انه حينما يوضع طفلى ارجو ان تسموه اكرم .وراح يردد همسا .. اكرم اكرم الفاتح..
نقل هذا الجندى الامين الرسالة وبالفعل بعد ستة شهور ولد اكرم اكرم الفاتح يوسف. هل هو الاصرار على الاستمرار فى الوجود ؟ .. ام هل هو الاصرار على ان الثورة حية لن تموت ؟ يبدو ان الاصرار على الاثنين معا .
بدليل ان محاولات الانقلاب لن تتوقف وان فى الافق مازالت هناك شمعة مضيئة برغم العواصف العاتية التى تهب عليها من كل جانب ... ولكن تبقى حقيقة واحدة، بارزة وعميقة ولا يختلف عليها احد ، هى ان دماء هولاء الشهداء اكدت قيمة اساسية بان الديمقراطية القادمة ستكون غالية لايعلو عليها ثمن لسبب واحد هو انها مهرت بدم عزيز وغزير وان الحرية المنشودة اساسها تضحيات مضمخة بالمجد . تضحيات قدمها جنود بدون تردد وبدون وجل وبدون مقابل مرتجى .
ومن طبيعة الشعب السودانى انه يحفظ مجد الابطال وقيم الشهداء فى وجدان صاف ثقفته التجارب وعلمته المحن.
نقلا عن كتاب : الاخوان والعسكر
استدل اصحاب الراى القائل بان القوات المسلحة تضم فى صفوفها اكثر من اربعين فى المائة من ابناء الجنوب وابناء الغرب ، وان هذه الهزات الحادة التى تضرب فى التكوين الاساسى للجيش الان سوف تكون لها عواقب سوداء على الوطن . وبالضرورة ان يكون داخل القوات المسلحة من يستشعر كل هذه المخاطر المتغلغلة وسط الاحداث الجارية منذ الانقلاب وتاثيرها على اداءة التامين الوطنى . فخلال الثلاث سنوات جرت اربع محاولات لانقلابات قادها ضباط من داخل القوات المسلحة ، وكانت اشهر حركة انقلاب تلك التى جرت فى الثالث وعشرون من ابريل عام 1990. والتى استطاعت ان تسيطر على معظم المواقع الاستراتيجية فى العاصمة ولكن لاخطاء فى التقدير ولسؤ الاتصالات وربما بسبب حسن النية والتسامح المفرط الذى تعامل به قادة المحاولة الانقلابية فشلت المحاولة وكانت نتائجها ماساوية .
فقد تم اعدام ثمانية وعشرين ضابطا واكثر من اربعة وخمسين جنديا ، وصف ضابط فى اقل من 48 ساعة ودون محاكمات وبعد استجوابات سريعة لم ينتظر منها المستجوبون ادلة ولم يتوقعوا منها معلومات ، كما لم ينتظر منها المتهمون رافة ولم يتوقعوا عدالة .
وفى الساعة الرابعة صباحا ، بعد ليلة القدر ، فى اليوم الثامن والعشرين من شهر رمضان وقبل عيد الفطر بيوم واحد ، نقلت عربات مدرعة ثمانية وعشرين ضابطا الى منطقة المرخيات 40 كيلو مترا شمال الخرطوم ، تحرسهم قوة من اربعين جنديا ،حيث تم انزالهم امام مقبرتين واسعتين تم تجهيزها فور اعتقالهم .. ثم صفهم واطلقت نيران كثيقة تخللتها صوات صمود وشجاعة من الشهداء (( الله اكبر ... الله اكبر )) . وقال احد الجنود الذين شاركوا فى الحراسة .. عندما كان التراب ينهال عليهم فى مقابرهم الجماعية بالبلدوزر سمعنا اذان من بعيد يؤذن لصلاة الصبح وتردد فى اسماعنا : الله اكبر ، الله اكبر .
ومنذ تلك الساعة اطلق الناس على ضباط حركة ابريل وصف ( شهداء ابريل ) . كان من بين هولاء الضباط عبدالمنعم كرار، رزق بابن فى صباح نفس يوم الاعدام فلم ير طفله الوليد .. وربما لم يخطر بهذا الحدث السعيد ، ولكن من المؤكد ام قلبه نبض بمشاعر الميلاد .
وكان من بينهم مصطفى عوض خوجلى ، رزق قبل شهر واحد بطفل هو البكر ولم يهنا بان يراه صبيا يحمل حلم الاب . وكان من بينهم الرائد اكرم الفاتح يوسف ، حيث كان يتوقع طفله الاول بعد ستة شهور وهى فترة تتارجح فيها مشاعر دافئة بين الاختيار فارس ام عروسه .
ونقل جندى شجاع كان بالقرب من الرائد اكرم الفاتح يوسف لحظة ترحيلهم الى المرخيات للاعدام، الى اسرة الشهيد اكرم رسالة هى الوصية الوحيدة التى همس بها فى اذن الجندى ، كانت الرسالة مقتضبة ومعبرة هى: انه حينما يوضع طفلى ارجو ان تسموه اكرم .وراح يردد همسا .. اكرم اكرم الفاتح..
نقل هذا الجندى الامين الرسالة وبالفعل بعد ستة شهور ولد اكرم اكرم الفاتح يوسف. هل هو الاصرار على الاستمرار فى الوجود ؟ .. ام هل هو الاصرار على ان الثورة حية لن تموت ؟ يبدو ان الاصرار على الاثنين معا .
بدليل ان محاولات الانقلاب لن تتوقف وان فى الافق مازالت هناك شمعة مضيئة برغم العواصف العاتية التى تهب عليها من كل جانب ... ولكن تبقى حقيقة واحدة، بارزة وعميقة ولا يختلف عليها احد ، هى ان دماء هولاء الشهداء اكدت قيمة اساسية بان الديمقراطية القادمة ستكون غالية لايعلو عليها ثمن لسبب واحد هو انها مهرت بدم عزيز وغزير وان الحرية المنشودة اساسها تضحيات مضمخة بالمجد . تضحيات قدمها جنود بدون تردد وبدون وجل وبدون مقابل مرتجى .
ومن طبيعة الشعب السودانى انه يحفظ مجد الابطال وقيم الشهداء فى وجدان صاف ثقفته التجارب وعلمته المحن.
ازمة التجار مع حكومة الجبهة
التجار والاغلبية الغالبة منهم اثرت عالم السوق عن دنيا السياسة ، فهم بالطبيعة ابعد الفئات عن الانغماس فى مشاكل يجرها الصراع المباشر بين مختلف الاحزاب حول السلطة .. فالسلطة السياسية بالنسبة للغالبية هى الفاكهة المحرمة .
صحيح ان ارتباطهم بالسياسة ياتى عبر طرق غير مباشرة ومسالك بعيدة عن اتون الصراع ، وراس المال اصله جبان يحب الاستقرار ويعشق المخاطرة المحسوبة وقبلته الارباح المفتوحة ويسعى الى الفائدة ولو كانت فيها هلاك ثلثى المال .
وعالم التجار لم يشهد، منذ بداية هذا القرن ، ان اعدم تاجر لمخالفة او الجريمة ، كانوا دائما يحتاطون ويتحوطون يصادقون الحكومات مهما كان نوع هذه الحكومات ، منهم من يجهر بالتاييد، ومنهم من يسر بالمعارضة ، ولكنهم فى كل الاحوال كانوا اهل ( تقية) ولكنهم فوجئوا فى 17 ديسمبر 1989 ان الحملة ضدهم بلغت ذروتها باعدام رجل الاعمال مجدى محجوب محمد احمد بعد اتهامه بحيازة نقد اجنبى .
كانت الدهشة عظيمة لاعدام شاب لم يتجاوز عمره سبعة وعشرين عاما ، هو اصغر بين اشقائه ، بسبب الاحتفاظ بحوالى 200 الف دولار فى خزانة البيت بعد ان راى مخاطر كبيرة فى تحريك هذا المبلغ نحو اى تعامل فى السوق ، فاثر السلامة بتجميد نشاطه التجارى فى ظل ظروف غير مناسبة منتظرا استقرار الوضع الاقتصادى ليعاود اعماله ، ولكن يبدو انه كان الراس المطلوب جزه تحت مقصلة عمياء .
وتساءل الناس حينها الم تكن مصادرة امواله اكثر من 200 الف دولار او ما يساوى ستة ملايين جنية سودانى فى ذلك الوقت ، كافية لتوقيع عقوبة على جريمة حيازة النقد الاجنبى .
اليس المصادرة والحبس عقوبة كافية لمثل هذه الجريمة..؟ وتواصلت التساؤلات الى حد ان اصبحت هل حيازة النقد الاجنبى يمكن ان ترتقى الى مستوى الجريمة الموجبة للاعدام ؟
ودارت وسط التجار روايات كثيرة حول السبب الحقيقى وراء اعدام مجدى محجوب ، الا ان الرواية المرتبطة بخيوط خفية مع السياسة تقول ان العقيد صلاح كرار عضو مجلس قيادة الثورة الانقاذ الوطنى ورئيس اللجنة الاقتصادية التابعة للمجلس ، اراد ان ينتقم من مجدى الذى كان يتعامل فى النقد الاجنبى ، اى فى نفس دائرة التعامل التى ضمت العقيد كرار نفسه .
فقد اعترف العقيد صلاح كرار عدة مرات بانه كان يتعامل بالنقد الاجنبى فى السوق السوداء مع تجار اخرين لهم وزنهم فى هذه السوق ، وذكر العقيد كرار اما صحفيين فى احدى المرات بانه كان مكلف من قبل التنظيم لاختراق هذه السوق ومعرفة اسرارها حتى تتم معالجتها وفق رؤية علمية ووفق معرفة مسبقة .
وذكر التجار الذين كانوا يتعاملون مع العقيد كرار لاكثر من ثلاث سنوات قبل الانقلاب انه كان شرسا فى التعامل وصعب المراس ، ولكنه ذكى .
ومعروف ان الصراع بين كتل التجار فى سوق العملة يصل احيانا الى حد الخصام والقطيعة ويؤدى الى التوتر الحاد بينهم ولكن معروف ايضا ان هذه السوق لها تقاليدها وقيمها ومن هذه التقاليد عدم الاضرار بالاخرين مهما كان السبب ، ومن قيمها سيادة روح التسامح بين التجار مهما كانت اسباب القطيعة .
وبعد اعدام مجدى محجوب جرى اعدام جرجس بطرس مساعد طيار بالخطوط الجوية السودانية فى 5 فبراير واركانقو اغاداد الذى نفذ فيه الحكم بالشنق فى 14 ابريل 1990 بتهمة التعامل بالنقد الاجنبى .
وتاتى المفارقة الماساوية ... بعد ثلاثين شهرا من اعدام مجدى وجرجس واركانقو يصدر وزير المالية السودانى عبدالرحيم حمدى قرارا يقضى بالسماح بحيازة النقد الاجنبى .
ففى 6 يونيو عام 1992 اعلن عبد الرحيم حمدى فى مؤتمر صحفى حرية حيازة النقد الاجنبى او العملة الصعبة وانهاء العمل باقرارات العملة نهائيا وقال انه تقرر ايضا الغاء القيود التى فرضت موخرا للتحويل من حساب الى حساب .
لقد كان لتلك الاحداث الدامية ظلال قاتمة وتاثيرات سلبية فى العلاقة بين حكومة الثورة والمواطنين على المستوى الانسانى، اما على المستوى الاقتصادى فكان هناك هروب جماعى للتجار ورجال الاعمال من السودان الى وطن اخر ... او الى ملاجىء اخرى.
وكانت مصر هى اول هذه الاوطان واهمها بسبب الاحساس الصادق لدى المواطن السودانى بانه ليس غريبا عن ارض الكنانة .. او ربما لقرب المكان وتواصل اللغة والاهل والاقرباء وتواصل الكلام.
فقد اظهرت اخر الاحصاءات التى اصدرتها الهيئة العامة للاستثمار فى مصر فى عام 1992 ان اجمالى استثمارات رجال الاعمال السودانيين فى مصر تبلغ 21 مليون جنية مصرى، فى مشروعات تبلغ قيمة رؤوس اموالها حوالى 529 مليون جنية .
خرج راس المال ورجال الاعمال الى وطن اخر ينشدون فيه الاستقرار بعد حرب ملتهبة وشاملة شنتها الحكومة ضدهم حيث استخدمت كل ادواتها ووسائلها المعروفة وغير المعروفة ، للسيطرة على مركز النشاط الاقتصادى دون اعتبار للاضرار التى تصيب الحياة الاقتصادية من جراء هذه السيطرة
التجار والاغلبية الغالبة منهم اثرت عالم السوق عن دنيا السياسة ، فهم بالطبيعة ابعد الفئات عن الانغماس فى مشاكل يجرها الصراع المباشر بين مختلف الاحزاب حول السلطة .. فالسلطة السياسية بالنسبة للغالبية هى الفاكهة المحرمة .
صحيح ان ارتباطهم بالسياسة ياتى عبر طرق غير مباشرة ومسالك بعيدة عن اتون الصراع ، وراس المال اصله جبان يحب الاستقرار ويعشق المخاطرة المحسوبة وقبلته الارباح المفتوحة ويسعى الى الفائدة ولو كانت فيها هلاك ثلثى المال .
وعالم التجار لم يشهد، منذ بداية هذا القرن ، ان اعدم تاجر لمخالفة او الجريمة ، كانوا دائما يحتاطون ويتحوطون يصادقون الحكومات مهما كان نوع هذه الحكومات ، منهم من يجهر بالتاييد، ومنهم من يسر بالمعارضة ، ولكنهم فى كل الاحوال كانوا اهل ( تقية) ولكنهم فوجئوا فى 17 ديسمبر 1989 ان الحملة ضدهم بلغت ذروتها باعدام رجل الاعمال مجدى محجوب محمد احمد بعد اتهامه بحيازة نقد اجنبى .
كانت الدهشة عظيمة لاعدام شاب لم يتجاوز عمره سبعة وعشرين عاما ، هو اصغر بين اشقائه ، بسبب الاحتفاظ بحوالى 200 الف دولار فى خزانة البيت بعد ان راى مخاطر كبيرة فى تحريك هذا المبلغ نحو اى تعامل فى السوق ، فاثر السلامة بتجميد نشاطه التجارى فى ظل ظروف غير مناسبة منتظرا استقرار الوضع الاقتصادى ليعاود اعماله ، ولكن يبدو انه كان الراس المطلوب جزه تحت مقصلة عمياء .
وتساءل الناس حينها الم تكن مصادرة امواله اكثر من 200 الف دولار او ما يساوى ستة ملايين جنية سودانى فى ذلك الوقت ، كافية لتوقيع عقوبة على جريمة حيازة النقد الاجنبى .
اليس المصادرة والحبس عقوبة كافية لمثل هذه الجريمة..؟ وتواصلت التساؤلات الى حد ان اصبحت هل حيازة النقد الاجنبى يمكن ان ترتقى الى مستوى الجريمة الموجبة للاعدام ؟
ودارت وسط التجار روايات كثيرة حول السبب الحقيقى وراء اعدام مجدى محجوب ، الا ان الرواية المرتبطة بخيوط خفية مع السياسة تقول ان العقيد صلاح كرار عضو مجلس قيادة الثورة الانقاذ الوطنى ورئيس اللجنة الاقتصادية التابعة للمجلس ، اراد ان ينتقم من مجدى الذى كان يتعامل فى النقد الاجنبى ، اى فى نفس دائرة التعامل التى ضمت العقيد كرار نفسه .
فقد اعترف العقيد صلاح كرار عدة مرات بانه كان يتعامل بالنقد الاجنبى فى السوق السوداء مع تجار اخرين لهم وزنهم فى هذه السوق ، وذكر العقيد كرار اما صحفيين فى احدى المرات بانه كان مكلف من قبل التنظيم لاختراق هذه السوق ومعرفة اسرارها حتى تتم معالجتها وفق رؤية علمية ووفق معرفة مسبقة .
وذكر التجار الذين كانوا يتعاملون مع العقيد كرار لاكثر من ثلاث سنوات قبل الانقلاب انه كان شرسا فى التعامل وصعب المراس ، ولكنه ذكى .
ومعروف ان الصراع بين كتل التجار فى سوق العملة يصل احيانا الى حد الخصام والقطيعة ويؤدى الى التوتر الحاد بينهم ولكن معروف ايضا ان هذه السوق لها تقاليدها وقيمها ومن هذه التقاليد عدم الاضرار بالاخرين مهما كان السبب ، ومن قيمها سيادة روح التسامح بين التجار مهما كانت اسباب القطيعة .
وبعد اعدام مجدى محجوب جرى اعدام جرجس بطرس مساعد طيار بالخطوط الجوية السودانية فى 5 فبراير واركانقو اغاداد الذى نفذ فيه الحكم بالشنق فى 14 ابريل 1990 بتهمة التعامل بالنقد الاجنبى .
وتاتى المفارقة الماساوية ... بعد ثلاثين شهرا من اعدام مجدى وجرجس واركانقو يصدر وزير المالية السودانى عبدالرحيم حمدى قرارا يقضى بالسماح بحيازة النقد الاجنبى .
ففى 6 يونيو عام 1992 اعلن عبد الرحيم حمدى فى مؤتمر صحفى حرية حيازة النقد الاجنبى او العملة الصعبة وانهاء العمل باقرارات العملة نهائيا وقال انه تقرر ايضا الغاء القيود التى فرضت موخرا للتحويل من حساب الى حساب .
لقد كان لتلك الاحداث الدامية ظلال قاتمة وتاثيرات سلبية فى العلاقة بين حكومة الثورة والمواطنين على المستوى الانسانى، اما على المستوى الاقتصادى فكان هناك هروب جماعى للتجار ورجال الاعمال من السودان الى وطن اخر ... او الى ملاجىء اخرى.
وكانت مصر هى اول هذه الاوطان واهمها بسبب الاحساس الصادق لدى المواطن السودانى بانه ليس غريبا عن ارض الكنانة .. او ربما لقرب المكان وتواصل اللغة والاهل والاقرباء وتواصل الكلام.
فقد اظهرت اخر الاحصاءات التى اصدرتها الهيئة العامة للاستثمار فى مصر فى عام 1992 ان اجمالى استثمارات رجال الاعمال السودانيين فى مصر تبلغ 21 مليون جنية مصرى، فى مشروعات تبلغ قيمة رؤوس اموالها حوالى 529 مليون جنية .
خرج راس المال ورجال الاعمال الى وطن اخر ينشدون فيه الاستقرار بعد حرب ملتهبة وشاملة شنتها الحكومة ضدهم حيث استخدمت كل ادواتها ووسائلها المعروفة وغير المعروفة ، للسيطرة على مركز النشاط الاقتصادى دون اعتبار للاضرار التى تصيب الحياة الاقتصادية من جراء هذه السيطرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق