الشهيد اللواء عثمان بلول: "لا نخطط لشئ ولا نريد فعل شئ، وحتى إذا فعلنا فليس في نيتنا الاستيلاء على السلطة فنحن ضباط وطنيون".
١٨ عاماً على إعدام ضباط حركة رمضان
المشير البشير دخل القيادة في ليلة 30 يونيو بعربة قاسم (المقرشة) في بيتنا صحيفى اخر لحظه
حاورها : عثمان حامد
ثمانية عشر عاما مضت على إعدام 28 ضابطاً يشتبه في تورطهم في التخطيط لـتنفيذ (انقلاب) على الإنقاذ عُرف فيما بعد بحركة 28 رمضان بقيادة الفريق خالدالزين. حيث ينتمي هؤلاء الضباط إلى (تنظيم الضباط وضباط الصف الوطنيين).. الذي يهدف ـ حسب ديباجته ـ إلى إقامة حكم ديمقراطي وحل مشكلة الجنوب وبناء جيش قوي في البلاد.
وتختزن الذاكرة العسكرية أن هؤلاء الشهداء من خيرة الضباط حيث نالوا تدريبات عالية وأظهروا كفاءة في العمل وحازوا على العديد من الأوسمة.. فيما تختزن أسرهم الكثير من الذكريات، لذلك ظلَّت تحيي ذاكراهم كل عام رغم العقبات التي تواجهها، وأن تلك الأسر ظلت مترابطة وكونت لها صندوقاً تكافلياً لحل مشاكل الأعضاء،
وتحكي السيدة آسيا بلول أرملة الشهيد اللواء عثمان إدريس بلول ـ وبنت عمه ـ قصة إعتقال وإعدام زوجها والمضايقات التي واجهها أبناؤها حتى أن ابنها لؤي غادر البلاد وإلتحق بقوات التجمع في أسمرا.. ومدى المشاكل التي يلاقونها ، وذلك في إفادات لملف أعدته (آخر لحظة).. فإلى مضابط الحوار..
الشهيد اللواء (م) عثمان بلول كانت علاقته بأسرته وأهله وزملائه ممتازة، فهو (أخو أخوان) معروف بالكرم والصدق و ـ مهما تحدثت فلن أستطيع وصف خصاله ـ فكان يعتبر زملاءه أشقاء له، حيث كانوا يزورونه مثل الفريق مهدي بابو نمر، والمرحوم عوض مالك، الرائد (م) أبوالقاسم محمد إبراهيم، والمرحوم زين العابدين محمد أحمد، معتصم السراج، حموده الشيخ والفريق عبدالرحمن سعيد وزير الثقافة، والفريق خالد الزين الذي كان أكثر من صديق.
كيف كانت علاقته بزملائه في حركة رمضان، وهل كانوا يزورونه؟
ـ علاقته كانت جيدة مع الجميع.. وكان الشهيد خالد الزين أكثر من أخ، وقد التقيناه في العراق خلال دورة ضباط هيئة الأركان، حيث كان خالد في دورة عن سلاح الطيران فيما كان بلول قائداً للكلية الحربية، وكان ذلك في العام 1986م.
هناك معلومات أن حركة 28 رمضان تم التخطيط لها قبل فترة طويلة عبر تنظيم ثم تأسيسه في أواخر السبعينات، فهل كنت تعرفين شيئا عنها؟
ـ اذكر انه كان هناك اشخاص يزورون بلول بأستمرار.. وقد سألته يوما ما (هل تخططون لشئ) فرد علىّ (لا نخطط لشئ ولا نريد فعل شئ، وحتى إذا فعلنا فليس في نيتنا الاستيلاء على السلطة فنحن ضباط وطنيون).
هل كان الشهيد بلول في الخدمة عند قيام حركة 28 رمضان؟
ـ بلول لم يكن في الخدمة العسكرية، حيث أحيل للمعاش في عهد حكومة المشير عبد الرحمن سوار الذهب مع (11) ضابطاً آخرين، بحجة دورهم في انتفاضة 6 أبريل 1985م، وأذكر أن من بين الضباط المحالين للمعاش الشهيد خالد الزين، فهؤلاء الضباط لعبوا دوراً مهماً في انحياز الجيش إلى الشعب.. وضغطوا على سوار الذهب للاستيلاء على السلطة.. لكن بعد نجاح الانتفاضة.. بدأ الضباط حملة ضد بلول وآخرين، وقد نشرت صحيفة «الراية» آنذاك خبراً عن تخطيط بلول وخالد الزين لإنقلاب حيث رفعوا دعوى ضد الصحيفة وكسبوا القضية. كما أن هناك وشاية أمريكية بأن هؤلاء الضباط يخططون لإنقلاب. بل إن واشنطون لعبت أيضا دوراً كبيراً في إعدام ضباط 28 رمضان، حيث قالت إنهم بعثيون وسينفذون إنقلابا إذا ما خرجوا من السجن.
وتضيف السيدة آسيا أن المجلس العسكري الإنتقالي قرر إحالة الضباط الإثنى عشر دون إعطائهم حقوقهم.. وأنه بعد شهر من الاحالة طلبوا منا إخلاء المنزل في القيادة العامة.
كيف كانت علاقة الشهيد بلول بقادته؟
ـ الشهيد بلول كان رافضاً للحكومات العسكرية، فقد أعدم نميري أحد زملائه ويدعى محمد أحمدالزين لإتهامه بالإشتراك في إنقلاب هاشم العطا، حيث لا علاقة لمحمد أحمد بالإنقلاب، فهو كان في غرب البلاد، وقام أحد الضباط بضم اسمه في قائمة المخططين للانقلاب.. فهذا الحادث شكل تحولاً في موقف بلول من الحكومات العسكرية، فكان حاقداً عليها.. لذلك كان هدفه الرئيسي إقامة نظام ديمقراطي وحل مشكلة الجنوب وبناء جيش قوي.
السيدة آسيا بما أن الشهيد بلول كان ضمن تنظيم الضباط وضباط الصف الوطنيين، وكان يزوره بعض الأشخاص فهل كنتم تشعرون بمضايقات أو مراقبة لمنزلكم؟
ـ قبل الإعتقال بأسبوع كنت ألاحظ أن هناك مراقبة لتحركات الشهيد بلول، وأذكر أن سيارة بها أشخاص مسلحون وقفت أمام المنزل ثم تحركت بسرعة.. كما أنه عندما يذهب إلى المخبز، فإن هناك أشخاصاً يراقبونه.. وقد إعتقلته الحكومة من قبل بتهمة المشاركة في أول انقلاب ضد الإنقاذ قاده محمد علي حامد ـ المعتقل الآن ضمن المتهمين بالمحاولة الانقلابية الأخيرة، كما إستدعت السلطات بلول أكثر من مرة واستجوبته.. المهم في الأمر أن سيارات كانت تقف أمام المنزل. وفي إحدى الأيام وقفت سيارة أمام المنزل ليلا وبها مسلحون وطرقوا الباب، وعندما قلت لهم (مين) طلبوا مني فتح الباب فعدت إلى الشهيد وأبلغته بما يحدث أمام المنزل. فقام إبن عمه سيد أحمد لمقابلتهم، وعند وصوله باب المنزل تحركت العربة على وجه السرعة.
وتضيف السيدة آسيا قبل 48 ساعة من الاعتقال زارنا الفريق عبد الرحمن سعيد وزير علوم التقانة وتحدث مع الشهيد بلول وقال له (يا بلول إنت لازم تغادر السودان، لأن الانقاذ تراقبك وأن شيئا ما سيحدث) فرد عليه الشهيد (انا لن أغادر البلد) فطلب منه سعيد السفر إلى الشمالية وقضاء إجازة مع والدته التي توفيت فيما بعد.. ورضي بلول لكنه سرعان ما عدل عن الفكرة ورفض السفر للشمالية.
كيف تم إعتقال الشهيد عثمان بلول؟
ـ تم اعتقال الشهيد بلول في 20 رمضان، أي قبل حركة رمضان بثمانية أيام، حيث رن جرس المنزل في الواحدة ليلا.. فقمت بفتح الباب.. حيث وجدت مجموعة مسلحة قالت لي إننا أفراد في الأمن ونريد اعتقال بلول.. فذهب سيد أحمد إلى بلول وأبلغه بالأمر.. وأذكر أنهم سمحوا له بأخذ حقيبة أعددتها له وبها ملابس، وقال لي بلول (احتمال الاعتقال يأخذ فترة طويلة، فشدوا حيلكم وسأحاول الاتصال بكم.. ومن ثم ودعنا).. وخلال فترة الثمانية أيام لم نكن نعرف مكان اعتقاله ولم يتصل بنا، وفي اليوم الخامس حضر إلينا المرحوم عوض مالك حاملاً رسالة من بلول إلى شخص يدعى فيصل قال فيها (يا فيصل أنا معتقل في بيوت الأشباح ولا أعرف مكانها لأنهم عصبوا عيوني.. وأريد منك أن تبعث لي مصاريف وصابون).. وأذكر أن عوض مالك قال لي (يا آسيا نحن سنوفر هذه الأشياء).
إذاً تم إعتقاله قبل حركة رمضان، لكنه أعدم مع الضباط فكيف تلقيت النبأ؟
ـ في يوم إعلان قرار إعدام ضباط حركة رمضان وتحديداً في الساعة الثالثة ظهراً، لم أكن أتابع المذياع أو التلفاز، حيث سمع الخبر خالي من الإذاعة.
هل لديكم معلومات عن مكان المقبرة؟
ـ بعد الإعدام وردتنا الكثير من المعلومات بأن الدفن تم في وادي الحمير قرب عطبرة.. ولكن المعلومات المؤكدة أن الدفن تم قرب الجبل الأزرق خلف الكلية الحربية مباشرة وقد تم مسح آثار المقبرة.. وقد زرنا المنطقة لكننا لم نجد أثراً للمقبرة.
ü ما هي مطالبتكم كأسر لشهداء حركة 28 رمضان؟
ـ نحن مطالبنا تتركز في مدنا بالحيثيات التي تمت بموجبها أحكام الإعدام، مسار الحكم، وإبلاغنا بمكان دفن الجثامين ومساءلة ومحاسبة المتورطين في المحاكمات.
خلال الفترة التي تلت إعدام الضباط وحتى الآن هل زاركم أحد المسؤولين؟
ـ لا لم يزرنا أحد من مسؤولي الإنقاذ.. بل بالعكس إنه في السنوات الأولى تم إيقاف معاشات الضباط.. كما أننا لم نتسلم قطعة أرض أسوة بزملائه الضباط في القوات المسلحة، حيث تم سحب أسماء جميع ضباط حركة رمضان من كشوفات الأراضي.. لكن بعض زملاء الشهداء تحركوا لإرجاع حقوق أسر الشهداء وهذه مبادرة منهم.. وأضافت أن بلول كان في المعاش اثناء قيام الحركة، وأن الذين كانوا في الخدمة واجهت أسرهم مشكلات كبيرة فهذه الأسر لم تتسلم الأراضي ولا الحقوق.. خاصة وأن الشهداء تركوا وراءهم أطفالاً لا ذنب لهم بما فعل آباؤهم.
هل زاركم أحد من الحكومة ؟ - لم يزرنا أحد و هناك معلومة مهمة وهي أن البشير دخل القيادة العامة ليلة 30 يونيو بعربة صديقه الشهيد محمد أحمد وكانت «مقرشة» في بيتنا .
كيف تمضي العلاقة بين أسرالشهداء؟
ـ نحن أسر شهداء 28 رمضان أصبحنا اسرة واحدة ونزور بعضنا البعض ولدينا صندوق تكافلي و (نتشايل) فإذا حدث لأي أسرة شئ فإننا نحل مشاكلها.
هل تتعرضون لأية مضايقات؟
ـ نعم تعرضنا للكثير من المضايقات من السلطات.
كما أن أبنائي تعرضوا لمضايقات مما دفع إبني وائل خريج جامعة أم درمان الأهلية مغادرة البلاد والإلتحاق بقوات التجمع في أسمرا، ومكث هناك أربعة أعوام وعند عودته حاولت الحكومة استمالته لكنه رفض وهاجر مع شقيقه لؤي إلى دولة الإمارات المتحدة.. أما إبني تامر فقد تعرض للضرب داخل المنزل دون ذنب فقط لانه صادف في دخوله أفراداً من الشرطة في المنزل.. كما تم إحالة بعض أفراد الأسرة إلى المعاش مثل سيد أحمد ابن عم الشهيد والذي كان يقطن معنا وهو يعمل بالقوات المسلحة في سلاح المدرعات.. فلسناالوحيدون الذين تعرضوا للمضايقات فهناك بعض أقارب الشهداء تم تشريدهم من الخدمة.
وقالت السيدة آسيا: لقد كانت السلطات المختصة تداهم المنزل في كل رمضان، وتقوم بتفتيشه ومصادرة كل الصور.. وأذكر في العام الثالث من الإعدام أن داهمت السلطات المنزل وأخذوا حقيبة الوالدة التي جاءت لتوها من الشمالية فردت عليهم بلهجة شايقية (الشنطة دي جايه من الشمالية إنتو عاوزين شنط بعد ما أعدمتوا سيد البيت) فاعتذر لها الضابط وقال لها (انا مأمور).
هل لا زلتم تتعرضون لمثل هذه المضايقات؟
ـ قبل الانشقاق الشهير للمؤتمر الوطني الى مجموعة المنشية بزعامة حسن الترابي ومجموعة القصر بزعامة المشير عمر البشير كنا نتعرض للمضايقات والاعتقالات وكانت الحملات مكثفة من قبل أمن الترابي.. لكن بعد الانشقاق خفت نسبة المراقبة وظلوا يراقبوننا في احتفالات إحياء ذكرى الشهداء.. وأذكر أنه في آخر احتفال اعتقلوا عدداً من أبنائنا.. لكننا سنناضل وسنناضل حتى آخر أيام عمرنا.